بقلم الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في علوم القرآن والتفسير
أولاً: عرض ونقد نصوص الإعجاز الغيبي المزعومة
نص الشبهة
" لا يخفى أن الكتاب المقدس يشتمل على قسم كبير من النبوات التي تمّ أكثرها،والباقي لا بد من أن يتمّ في حينه، وقد سبق الله فأنبأ بفم أنبيائه الكرام بحصول حوادث متعددة من قيام ملوك وسقوط آخرين،وخراب مدن عظيمة،وانقراض أمم شادت لنفسها عزاً باذخاً،ولم تكن لتحلم بما حل بها من الفناء قبل حصوله،
فناحوم النبي تنبأ بصراحة بخراب نينوى قصبة الأشوريين،المدينة العظيمة التي كان ارتفاع أسوارها مئة قدم،ومحيطها ستين ميلا، وعليها ألف وخمس مئة برج،ارتفاع كل منها مئتا قدم في حالة عظمتها، وقد تم هذا حرفياً، وإشعياء وإرميا تنبأا بخراب بابل قصبة الكلدانيين،وهي في حال سمو مجدها وعظمة اقتدارها وزهوها،فلم يمض مئة وستون سنة من تاريخ النبوة حتى خربت بابل العظيمة حسب النبوءة، وقد ذكر هيرودتس وزنفون المؤرخان كيفية خرابها مما يطابق أشد المطابقة ما أنبأ به النبيان، ومن النبوات الكتابية أيضاً نبؤة [الصواب: نبوءة] حزقيال عن مدينة صور حيث نرى الحقائق التالية التي أثبتها وشهد لها التاريخ، في الأصحاح 26 عدد - 8 - يخرب نبوخذ نصر هذه المدينة، وفي العدد - 3 - يقول النبي تقوم دول كثيرة عليها وفي - 4 - تصبح صخرة عارية وفي - 25 - يبسط الصيادون شباكهم على موقعها و- 12 - تلقى أنقاضها في البحر وفي - 14 - ولن تقوم للأبد و- 21 - تقرير وتأكيد زوالها، وبعد نبوة حزقيال بثلاث سنوات حاصر ملك بابل صور مدة 13 سنة حتى استسلمت له وقبلت شروطه - 585 573 ق،م - ولما اقتحمها اكتشف أن سكانها قد هجروها بالسفن إلى جزيرة جديدة في عرض البحر على بُعد نصف ميل من صور،، فقام بتخريب صور كما أشار النبي حزقيال في 26:8، وجاء الاسكندر الكبير، فحاصر المدينة الجديدة العاصية مستخدماً أنقاض القديمة كممر بحري إلى الجديدة بعد 60 متراً واستولى عليها، كما أشار حزقيال في 26:3 و12 وأضحت صخرة عارية كما تقول النبوة في عددي 4 و5".
الجواب:
أولاً: مناقشة النبوءات المزعومة:
1. نبوءة ناحوم: ناقضها ما ورد في سفر يونان (يقولون إنه يونس u).
فقد تحدث سفر يونان عن توبة أهل نينوى، بعد التقام الحوت ليونان. بينما ورد في سفر ناحوم ـ الذي توفي بعد يونان ـ أن نينوى لم تُعرَف إلا بالشرور والكذب.
انظر مثلاً [ناحوم 3/1]: " ويل لمدينة الدماء كلها ملآنة كذباً وخطفاً ".
و[3/19]: " جرحك عديم الشفاء. كل الذين يسمعون خبرك يصفقون بأيديهم عليك ".
2. نبوءة إشعيا:
لا يوجد دليل على صحة نسبة الموجود في سفر إشعيا إليه؛ نقل رحمة الله الهندي عن أبرز علماء النصارى قولهم: " لا يمكن أن يكون الباب الأربعون وما بعده إلى الباب السادس والستين من كتاب إشعيا من تصنيفه"، فسبعة وعشرون باباً ليس من تصنيف إشعيا ".
ثم ذكر خطأً تاريخياً فيه ـ عزاه النصارى لخطأ المترجِم ! ـ: " في الآية الثامنة من الباب السابع من كتاب إشعيا هكذا ترجمة عربية سنة 1671م وسنة 1831م: "وبعد خمسة وستين تفنى أرام أن يكون شعباً " ترجمة فارسية سنة 1838م (بعد شصت وبنج سأل فرائم شكته خواهدشد) وهذا غلط يقيناً لأن سلطان أسور تسلط على افرائم في السنة السادسة من جلوس حزقيا كما هو مصرح في الباب السابع عشر والثامن عشر من سفر الملوك الثاني، ففنيت أرام في مدة إحدى وعشرين سنة وقال (وت رنكا) وهو من علماء المسيحية: "وقع الغلط في النقل ههنا، وكان الأصل ست عشرة وخمس وقسم المدة هكذا من سلطنة أخذ ست عشرة سنة ومن سلطنة حزقيا خمس سنين"، وقوله وإن كان تحكماً صرفاً لكنه معترف بأن العبارة الموجودة الآن في كتاب إشعيا غلط وحرف مترجم الترجمة الهندية المطبوعة سنة 1843م في الآية الثامنة المذكورة هداهم اللّه لا يتركون عادتهم القديمة ".
3. نبوءة أرميا:
ويقول رحمة الله الهندي عن صحة نسبته إليه أيضاَ: " (وكتاب أرميا) الباب الثاني والخمسون منه ليس من تصنيف أرميا قطعاً، وكذلك الآية الحادية عشرة من الباب العاشر ليست منه، أما الأول فلأن آخر الآية الرابعة والستين من الباب الحادي والخمسين هكذا ترجمة فارسية سنة 1838م: (كلمات يرميا تابدينجا اتمام بدرفت) ترجمة فارسية سنة 1845م (كلام يرميا تابدينجاست) ترجمة عربية سنة 1844م (حتى إلى الآن كلام أرميا) وأما الثاني فلأن الآية المذكورة في اللسان الْكسْدي وسائر الكتاب في اللسان العبراني، ولم يعلم أن أي شخص ألحقهما، والمفسرون المسيحيون يقولون رجْماً بالغيب: لعل فلاناً أو فلاناً ألحقهما، قال جامعو تفسير (هنري واسكات) في حق الباب المذكور: "يعلم أن عزرا أو شخصاً آخر ألحق هذا الباب، لتوضيح أخبار الحوادث الآتية التي تمّت في الباب السابق ولتوضيح مرتبته"، وقال هورن في الصفحة 195 من المجلد الرابع: " أُلحِقَ هذا الباب بعد وفاة أرميا، وبعد ما أُطلق اليهود من أسر بابل، الذي يوجد ذكره قليلاً في هذا الباب" ثم قال في المجلد المذكور: " إن جميع ملفوظات هذا الرسول بالعبري إلا الآية الحادية عشرة من الباب العاشر فإنها بلسان الكسدينر، وقال القسيس (ونما) إن هذه الآية إلحاقية ".
في الباب الخامس والعشرين من كتاب أرميا هكذا: " القول الذي كان لأرميا عن جميع شعب يهوذا في السنة الرابعة ليواقيم بن يوسيا ملك يهوذا، وهي السنة الأولى لبختنصر ملك بابل، (11) ويكون كل هذه الأرض قفراً وتحيراً وتعبد جميع هذه الأمم لملك بابل سبعين سنة، (12) وإذا تمت سبعون سنة افتقد على ملك بابل وعلى تلك الأمة يقول الرب بإثمهم وعلى أرض الكلدانيين وأجعلها قفراً أبدياً "
وفي الباب التاسع والعشرين من الكتاب المذكور هكذا: "وهذه هي أقوال الكتاب الذي أرسل به أرميا النبي من أورشليم إلى بقايا مشيخة الجلاء وإلى الكهنة وإلى الأنبياء وإلى كل الشعب الذي سباه بختنصر من أورشليم إلى بابل(2) من بعد خروج يوخانيا الملك والسيدة والخصيين ورؤساء يهوذا وأورشليم والصناع والحاضر من أورشليم (10) هكذا يقول الرب إذا بدأت تكمل في بابل سبعون سنة أنا أفتقدكم وأقيم عليكم كلمتي الصالحة لأردكم إلى هذا المكان"..
وفي الباب الثاني والخمسين من الكتاب المذكور هكذا " (28) هذا هو الشعب الذي أخلاه بختنصر في السنة السابعة ثلاثة آلاف وثلاثة وعشرين يهوديا (29) في السنة الثامنة والعشرين لبختنصر من أورشليم ثمانمائة وثلاثين نفساً (30) في السنة الثالثة والعشرين لبختنصر أجلى بنور زادن قائد الجيش سبعمائة وخمسة وأربعين نفساً، فجميع النفوس أربعة آلاف وستمائة ".
فعلم من هذه العبارات ثلاثة أمور:
1. أن بختنصر جلس على سرير السلطنة في السنة الرابعة من جلوس يواقيم. وهو الصحيح، وصرح به يوسيفس اليهودي المؤرخ أيضاً في الباب السادس من الكتاب العاشر من تاريخه فقال: " إن بختنصر صار سلطان بابل في السنة الرابعة من جلوس يواقيم" فإن ادعى أحد غير ما ذكرنا يكون غلطاً ومخالفاً لكلام أرميا u، بل لا بد في اعتبار السنين أن تكون السنة الأولى من جلوس بختنصر مطابقة للسنة الرابعة من جلوس يواقيم.
2.أن أرمياء أرسل الكتاب إلى اليهود بعد خروج يوخانيا الملك ورؤساء يهودا والصناع.
3. أن عدد الأسارى في الإجلاءات الثلاثة كان أربعة آلاف وستمائة وكان الإجلاء الثالث في السنة الثالثة والعشرين. فأقول: ههنا ثلاثة أغلاط:
الغلط الأول: أن جلاء يوخانيا الملك ورؤساء يهودا والصناع كان قبل ميلاد المسيح، على ما صرح المؤرخون بخمسمائة وتسع وتسعين سنة، وصرح صاحب ميزان الحق في الصفحة 60 من النسخة المطبوعة سنة 1849م بأن هذا الإجلاء كان قبل ميلاد المسيح بستمائة سنة، وكان أرميا أرسل كتابه إليهم بعد خروجهم، فلا بد أن يكون إقامة اليهود في بابل سبعين سنة، وهو غلط لأنهم أطلقوا بحكم قورش سلطان إيران قبل ميلاد المسيح بخمسمائة وست وثلاثين سنة، فكان إقامتهم في بابل ثلاثاً وستين سنة، لا سبعين، وأنقل هذه التواريخ من كتاب مرشد الطالبين إلى كتاب المقدس الثمين المطبوع سنة 1853م في بيروت، وهذه النسخة تخالف النسخة المطبوعة سنة 1840م في أكثر المواضع على العادة الجارية في المسيحيين، فمن شاء تصحيح النقل فعليه أن يقابل النقل بعبارة النسخة المطبوعة سنة 1862م وهذه النسخة موجودة في كتبخانة جامع بايزيد بالأستانة، فأقول: في الفصل العشرين من الجزء الثاني في جدول تاريخي للكتاب المقدس من هذه النسخة المطبوعة سنة 1852 هكذا
السنة قبل المسيح
سنة العالم
599
كتابة أرمية لليهود المأسورين هناك أي في بابل
3405
536
وفاة داريوس المادي خال قوش وخلافة قورش مكانه على مادي وفارس وإطلاقه اليهود وإذنه لهم بالرجوع إلى اليهودية
3468
الغلط الثاني: أن عدد الأسرى في الإجلاءات الثلاثة أربعة آلاف وستمائة، وقد صرح في الآية الرابعة عشرة من الباب الرابع والعشرين من سفر الملوك الثاني أن عشرة آلاف من الأشراف والأبطال كانوا في الإجلاء الواحد، والصناعون كانوا زائدين عليهم.
والغلط الثالث: أنه يُعلم منه أن الإجلاء الثالث كان في السنة الثالثة والعشرين من جلوس بختنصر، ويعلم من الباب الخامس والعشرين من سفر الملوك أنه كان في السنة التاسعة عشرة من جلوسه ".
أما عن صحة نسبة أسفار الأنبياء إليهم، فهي قضية شائكة عند علماء اللاهوت. وقد عقد د. منقذ السقار فصلاً بعنوان: " إبطال نسبة أسفار الأنبياء إليهم " ومما جاء فيه:
" - سفر إشعيا:
وينسب السفر للنبي إشعيا في القرن الثامن قبل الميلاد، فقد عاصر الملك عزيا ثم يوثام ثم أحاز ثم حزقيا، ولكن السفر يتحدث عن الفترة الممتدة بين القرنين الثامن والسادس قبل الميلاد مما يؤكد أن ثمة كاتباً أو كاتبين قد كتبوا ذلك بعد إشعيا، ومن أمثلة ذلك حديثه عن بابل الدولة العظيمة وتنبؤه بانهيارها.
وأيضاً حديثه عن كورش الفارسي الذي ردّ اليهود من السبي (انظر 44/28 - 45/1).
كما يتحدث عن رجوع المسبيين والشروع في بناء الهيكل في الإصحاحات 56 – 66، لذا يقول العالم الألماني أستاهلن: " لا يمكن أن يكون الباب الأربعون وما بعده حتى الباب السادس والستين من تصنيف إشعيا".
- سفر إرمياء: